( يظهر الراوي مرة أخرى على المسرح مخاطبا الجمهور : وهكذا ذهب رديارد مع أمه و حاشيته إلى الإمبراطور كارين و ذلك للزواج من ابنته راشيل.و سنرى في هذا المشهد اللقاء الذي يجمع بين الحبيبين الوفيين، و الذي لم يعكر صفوه إلا مجيء شاب مغرور أرعن يدعى جوانز كان قد أحب راشيل . و سنطلع كذلك على توعده رديارد بالقتل و كيف نجا رديارد من الموت رغم إصابة كتفه و كيف جنى جوانز على نفسه) .
( يضاء المسرح ، حيث يظهر الإمبراطور كارين في قاعة عرشه مع زوجته ماري و الحاشية حولهما و هم ينتظرون قدوم رديارد مع وفده بفارغ الصبر . يدخل الحاجب )
الحاجب : فخامة الإمبراطور كارين ، لقد وصل الإمبراطور رديارد .
كارين : فليدخل هذا القائد الكبير . ( يدخل رديارد و أمه و وفده ) .
رديارد : دام عز الإمبراطور كارين المبجل .
كارين ( متوجها إلى رديارد) : حييت أيها القائد الفذ ؛ فأنت أهل للتكريم و موضع للترحيب ( يتعانقان ) .
رديارد ( مخاطبا عمته ) : و كيف حالك يا عمتي العزيزة ؟ لقد اشتقت إلى رؤيتك بعد هذا الفراق الطويل .
ماري : و كيف حالك يا ابن أخي الغالي ؟ لطالما أحببت أن أراك.( تخاطب مالموريا ) و كيف حالك يا زوجة أخي الحبيبة ؟
مالموريا ( تتقدم نحوها ) : إنني على ما يرام أيتها الإمبراطورة ماري ؛ فأنت لي الأخت و الصديقة ، و لن أنسى الأيام التي جمعتني بك و بزوجي الراحل ستيفن ( ما إن تسمع ماري اسم أخيها حتى تعانق مالموريا و تذرف الدموع حينا )ما الذي يبكيك ؟
ماري : ما إن ذكرت لي ستيفن حتى بدا كأنه أمامي ، و لا أكاد أذكر اسمه حتى أبكي . و كيف لا أبكي أخي الذي أحب ؟
مالموريا ( بحزن ) : نعم ، و ليس حزنك عليه بأقل من حزني عليه يوم ودع الحياة و هو في كمال شبابه .
ماري : ولكن ما يعزيني هو أن ابن أخي يسير على الدرب نفسه الذي سار عليه أبوه .
مالموريا : هكذا أراده أبوه أن يكون رجلا مخلصا لشعب ، شجاعا في الذود عن بلاده .
ماري : أعتذر إليكم جميعا ؛ فليس من اللائق أن أحزنكم بهذه الذكريات .
كارين : نعم يا عزيزتي ؛ فهذه سنة الحياة ( بعد صمت قصير) لقد تشرفت ديارنا بزيارتك أيها الإمبراطور رديارد .
رديارد : أشكرك يا فخامة الإمبراطور .
كارين : لقد سمعنا أخبار انتصاريك العظيمين على عدوك ، و لقد احتفلنا ثلاثة أيام متتالية مشاركة لفرحتك و فرحة شعبك .
رديارد : هذا شرف عظيم منك أيها الإمبراطور .
كارين ( مخاطبا حاشيته ) : يسروا لضيوفنا الكرام وسائل الراحة و اعملوا على خدمتهم .
رديارد : أيها الإمبراطور كارين ، إنني جئت إليكم زائرا لغرض نبيل آمل أن توافق عليه .
كارين : و ما هو هذا الغرض ؟
رديارد : فخامة الإمبراطور، إنني قد أحببت راشيل حبا ملأ قلبي و هي تحبني أيضا ، و لقد تعاهدنا على الزواج منذ أن كنا صغارا ، و إنني أرغب بها شريكة لعمري ، فهل إلى ذلك من سبيل ؟
كارين : تعلم أيها الإمبراطور رديارد أنني لا أستطيع أن أجبر راشيل على الزواج من أي كان ؛ لأنني أحترم رأيها في هذا الأمر .
رديارد : و أنا أتقبل رأيها بكل رضى أيها الإمبراطور .
كارين : كم أنت نبيل أيها الإمبراطوررديارد!(يلتفت إلى إحدى الوصيفات) وأخبري راشيل بأنني أريدها . ( تذهب الوصيفة و بعد قليل تأتي راشيل ) .
راشيل : سمعا وطاعة يا أبي . مرني بما تشاء .
كارين : أعلم يا ابنتي أنك وحيدتي ، و أعلم أيضا أن لك حق اختيار من ترغبين به زوجا لك دون مانع مني ، أليس كذلك ؟
راشيل : بلى يا أبي ، إنني لن أقبل إلا من أحب .
كارين : إذن ، فانظري من جاءك خاطبا يا ابنتي .
( تلتفت راشيل لترى رديارد ، فتعلو الابتسامة وجهها ثم تذهب إليه حيث تتشابك أيديهما بقوة ) .
راشيل : إذن ، فقد جئت كما وعدتني يا رديارد ، وإنني لم أحنث بوعدي لك .
رديارد : و أنا كذلك يا حبيبتي ، أقسم لك أنني ما تركت التفكير فيك يوما واحدا حتى في قتال أعدائي .
راشيل : يا لك من وفي يا رديارد ! ( تخاطب الجميع ) فلتشهدوا هنا أيها الحاضرون أنني راضية برديارد .
كارين : إذن ، فأنت ترغبين بالزواج به يا ابنتي ؟
راشيل : ولم لا يا أبي ؟ إنني لأرى أبواب السعادة قد تفتحت لي و لرديارد .
نعم ، إنني راضية به ؛ لأن له من النبل والشرف ما يجعلني أحبه.
كارين ( مخاطبا رديارد و راشيل ) : إنه ليسعدني أن أعلم الجميع هنا بأنني موافق على زواجكما ، و لسوف نقيم الأفراح في البلاد كلها .
( يعانق كارين رديارد تهنئة بهذا الحدث . في هذه الأثناء يتعالى صراخ من الخارج قادما إلى الداخل
(لا............لا)) . يدخل الحاجب ) .
الحاجب : سيدي الإمبراطور .
كارين : من هذا الذي يصرخ ؟
الحاجب : إنه ذلك النبيل جوانز قد جاء وحاولنا منعه إلا أنه اقتحم البوابة
بعنف . ( يدخل جوانز و هو غاضب ) .
جوانز : ما هذا الذي سمعت عنه ؟
كارين : يا لوقاحتك يا جوانز ! ألم تتعلم أدب الاستئذان عند الدخول ؟
جوانز : معذرة أيها الإمبراطور ، ولكن ماذا وعدك الذي وعدتني إياه ؟
كارين : أي وعد تتحدث عنه ؟
جوانز : ألم تعدني بأن تزوجني من ابنتك راشيل ؟
كارين : إنني لم أعدك بهذا الأمر . إنما وعدتك بأن أرى رأيها .
جوانز : هل صحيح بأن الذي جاء يخطب راشيل موجود هنا ؟
رديارد ( مجيبا إياه ) : هذا صحيح ، و لقد وافقت راشيل على الزواج به .
جوانز ( دون مبالاة ) : و من أنت حتى تجيبني ؟
رديارد : سأخبرك من أنا . أنا الذي رضيت به راشيل .
جوانز ( بغضب ) : أنت ؟
رديارد : نعم ، أنا هو ، فهل لك أن ترد علي ؟
جوانز : إذن ، فأنت هو اللص الذي يريد سرقة وردتي .
كارين : اخرس أيها الحقير ، لو أنك تعلم مكانته لما خاطبته بهذه اللهجة التي تنم عن سوء أدبك .
جوانز( باستهزاء ) : و من هو يا ترى ؟
كارين : إنه الإمبراطور رديارد .
جوانز : إن مكانته هذه لاتهمني ، سواء أكان عظيما أم وضيعا ، وأقسم أن الموت سيكون نصيبه إن حاول أن يلمس راشيل .
كارين ( بغضب ) : ماذا تقول ؟ لقد بالغت في غيك كثيرا يا جوانز و ستندم على ذلك .
جوانز : لقد قلت ما عندي ، (يخاطب رديارد بكبرياء ) أرى أن من الأفضل لك أن ترحل يا رديارد .( يتدخل كيبيرا ولكن رديارد يمسكه )
كيبيرا : أرجوك ، دعني يا سيدي لأدوس هذا الحقير بقدمي هذه .
رديارد : هون عليك يا صديقي ، سأتدبر أمره الآن .
كيبيرا : لئن لمس الإمبراطور رديارد أي أذى أو مكروه لأعلقن رأسك على سيفي هذا .
رديارد : قلت لك إنني أستطيع تدبر أمره ( يخاطب جوانز ) استمع إلي أيها المغرور ، لو جئتني بجيش حتى تحول بيني و بين راشيل ما قدرت على ذلك ، فارحل في الحال و إلا قتلتك .
جوانز : أتهددني ؟
رديارد : نعم. و إن كنت جريئا فواجهني يوم زفافي ، فإن غلبتني فستصبح راشيل زوجة لك . أما إن لم تفعل ، فلا أقل من أن تصبح أضحوكة بين الناس .
جوانز : سنرى ذلك يا رديارد . ستدفع ثمن هذه الإهانة غاليا . ( ينصرف غاضبا ) .
كارين : أعتذر إليك أيها الإمبراطور . لقد كان الأجدر بي أن أعاقب هذا المتطاول عليك أشد العقاب .
رديارد : لا عليك أيها الإمبراطور. لو كان ذا قلب لاستل حسامه لحظة دخوله إلى هنا ، ولكنني سأعرف كيف أجعله يركع طالبا الرحمة و الصفح .
راشيل : لن يفرق هذا التافه بيني و بينك هذ يا رديارد و لن أكون له. ولكن توخ الحذر منه ؛ فهو غادر و قد يصيبك بمكروه في لحظة غفلة .
كارين : لا تهتموا لأمره . سأصدر أمرا إلى الحراس بمنعه من الدخول إلى هنا .( يخاطب الحاشية ) فلتعلن الأفراح بزواج الإمبراطور رديارد و ابنتنا راشيل .
( يطفأ المسرح ثم يضاء بعد قليل على قاعة للاحتفالات ، حيث يظهر الإمبراطور رديارد و الإمبراطور كارين و عدد من الحضور و هم ينتظرون قدوم راشيل . يقف رديارد أمام الكاهن الذي سيزوجهما ) .
الكاهن : و أين العروس ؟ ألم تحضر بعد ؟
كارين : ستأتي بعد قليل ، فلا داعي للقلق.
( يسمع صوت الحاجب معلنا عن قدوم الأميرة راشيل ) .
الحاجب : سيدي الإمبراطور، أيها الحضور العظيم ، لقد وصلت الآن الأميرة راشيل .( تظهر راشيل في زي الزفاف و قد جاءت برفقة أمها و مالموريا ) .
الكاهن ( مخاطبا رديارد ) : سيدي الإمبراطور ، لقد جاءت عروسك . يمكنني الآن أن أبدأ مراسيم زواجكما .
( تقف راشيل بجوار رديارد ، حيث يتبادلان النظرات ، بعد ذلك ينظران إلى الكاهن بهيبة و صمت ) .
الكاهن : إنه ليوم سعيد هذا الذي سنعلن فيه زواج الإمبراطور رديارد من الأميرة راشيل . و إننا لنرجو أن يعزز هذا الزواج أواصر الصداقة إلى الأبد بيننا و بينكم أيها الإمبراطور رديارد . فلنبدأ الآن .
( يسمع صوت مفاجىء من أعلى السقف ، و يتضح أنه جوانز الذي خطط لقتل رديارد غدرا )
جوانز : ليس بعد أيها اللعين ( يلتفت الحضور حولهم ليروا أين هو ، وفجأة ينطلق سهم يصيب كتف رديارد . تصرخ راشيل وأمها ومالموريا)
راشيل : ويلي ، أنقذوه أيها الناس .
مالموريا ( و هي تساعده ) : تحامل على نفسك يا بني . كن قويا و صامدا .
كارين ( بلهجة صارمة ) : جدوا ذلك النذل ، الويل له مني .
( تحدث بلبلة و فوضى يستغلها جوانز ، فيثب شاهرا سيفه بقصد الإجهاز على رديارد ) .
جوانز : لقد كانت تلك الرمية هدية بسيطة لن تعادل الآن هدية الموت التي ستتلقاها الآن دون رحمة .
( يتدخل كيبيرا ثم يستل سيفه ليبارز جوانز ) .
كيبيرا : فلتخسأ أيها الكلب ، إنك لن تصل إليه ما دمت موجودا .
جوانز : أنت ثانية ؟ إليك عني ؛ لأنني سأسوي حسابي الآن مع سيدك .
كيبيرا : ليس قبل أن تواجهني ( يتبارزان ، ثم يعاجله كيبيرا بطعنة تخترق أحشاءه ، فيقع جوانز متخبطا في دمائه و به رمق . ينهض رديارد و يقف عند رأسه و السيف في يده ) .
جوانز : كم تمنيت أن أقتلك يا رديارد ، ولكن القدر لم يبتسم لي .
رديارد : لقد أحببت أن تلقاني في مبارزة عادلة ، ولكنك أبيت إلا الغدر، و هذا هو جزاؤك .( يعاجله رديارد بطعنة أخرى في قلبه فيموت ) .
كارين : هل أنت على ما يرام ؟ آمل أن إصابتك ليست بليغة .
رديارد : اطمئن أيها الإمبراطور؛ إنها ليست كذلك .
كارين ( آمرا الحرس ) : ارموا جثة هذا الوغد بعيدا ؛ فمثله عار علينا .
مالموريا : الشكر للآلهة على إنقاذ حياتك .
رديارد : إن هذا الجرح لن يمنعني من إكمال زواجي الآن .
مالموريا : كلا يا بني ؛ فأنت جريح و من الخير لك أن تتعافى . يمكننا أن نرجىء حفل الزفاف إلى يوم آخر . أليس كذلك أيها الإمبراطوركارين ؟
كارين : بلى ، يجب أن تشفى أيها الإمبراطور رديارد .
رديارد : فخامة الإمبراطور كارين ، إنني لا أستطيع فراق راشيل يوما واحدا ، وإنني أرغب بإتمام هذا الزواج . فهلا رضيت ؟
كارين : كما تشاء ( يخاطب الكاهن ) سيدي الكاهن ، يمكنك الآن البدء بمراسيم الزفاف .
الكاهن ( مخاطبا راشيل ) : أيتها الأميرة راشيل ، أترضين بالإمبراطوررديارد زوجا لك معاهدة على الإخلاص و الوفاء له ؟
راشيل : إنني أقبل ، سيدي الكاهن .
الكاهن ( مخاطبا رديارد ) : و أنت أيها الإمبراطور رديارد ، أترضى بالأميرة راشيل زوجة لك ، معاهدا على الإخلاص لها و إسعادها في حياتكما ؟
رديارد : وهو كذلك سيدي الكاهن .
الكاهن ( مبتسما ) : فلتكونا زوجين سعيدين ، ولتنعما بالحياة الرغيدة ، وعسى أن ترزقا بالبنين و البنات . نرجو لكما السعادة مدى الحياة .
( يظهر الراوي على المسرح و هو يخاطب الجمهور : و هكذا فقد رأينا ما وصل إليه رديارد من عز وملك حين انتصرعلى أعدائه وتزوج بابنة عمته ولكننا سنرى من الآن كيف ستتغير نفسية رديارد بعد عظم شأنه ، حيث سيبدو عليه الخوف و القلق على ملكه و زوجته ، ثم تتغير نظرته نحو أصحابه من نظرة المحبة إلى نظرة الشك ) .
( يضاء المسرح ، حيث يظهر رديارد جالسا على عرشه و هو يفكر في أمر ما . في هذه الأثناء يدخل عليه بيشاي ) .
بيشاي : أسعدت صباحا سيدي الإمبراطور .
رديارد : و أنت كذلك يا بيشاي . لقد طال غيابك عنا .
بيشاي : لقد غبنا هذه المدة الأخيرة لحماية الثغور من أعدائنا الذين يحاولون بين الحين و الآخر الاعتداء عليها .
رديارد : و أين لافوراس ؟
بيشاي : لم يتمكن من الحضور معي يا سيدي .
رديارد : و لماذا ؟ لعله متعب .
بيشاي : نعم يا سيدي ؛ إنه مريض ولكنه سيتماثل للشفاء عما قريب .
رديارد : حسنا ، قل لي بيشاي ،هل عاد أعداؤنا يشكلون خطرا على الحدود الشمالية للإمبراطورية ؟
بيشاي : كلا يا سيدي الإمبراطور.فلتكن على ثقة بأننا أكفاء للمسؤولية .
رديارد : و هل هناك أخبار عن تحركات أخرى على الحدود الجنوبية ؟
بيشاي : لقد اتضح لنا من أخبار عيوننا أن عدونا من مملكة فيردن يخطط للقيام بهجوم على الثغور الجنوبية .
رديارد : فما ترى يا بيشاي ؟
بيشاي : أرى أن من الصواب أن نسير إليهم و نباغتهم بضربة تقصمهم .
رديارد : ذاك هو الرأي يا بيشاي ، ولذلك ستكون و كيبيرا على رأس جيش جرار يباغت العدو في عقر داره .
بيشاي : ولكن.......
رديارد : ولكن ماذا ؟
بيشاي : ولكن......ألن تذهب معنا سيدي الإمبراطور ؟
رديارد : ماذا ؟ ما هذا الذي تقوله يا بيشاي ؟
بيشاي : أرجو المعذرة يا سيدي ، ولكنني أحببت أن أراك معنا لتشاركنا النصر على العدو .
رديارد (مبتسما ) : هذا ليس من شأنك أيها الصديق الوفي. فضلا عن ذلك فإنني لا أريد أن يفقدني شعبي في معركة قد لا أعيش بعدها .
بيشاي : سيدي الإمبراطور ، في رأيي أن معنويات الجنود سترتفع إذا رأوك معهم . ألم تلاحظ ذلك يا سيدي الإمبراطور ؟
رديارد : إنني لن أذهب إلى القتال و قد حزمت أمري على ذلك يا بيشاي ، فلا تعد هذا الأمر علي ثانية .
بيشاي : كما تريد يا سيدي ، أرجو المعذرة على ذلك .
رديارد : لا عليك يا بيشاي .
بيشاي : أتأمرني بشيء آخر سيدي الإمبراطور ؟
رديارد : كما قلت لك يا بيشاي ، كن على استعداد أنت و كيبيرا . أرجو سماع الأخبار الطيبة .
بيشاي : كما تريد يا سيدي . ( يذهب ) .
رديارد ( لنفسه ) : ترى ، لماذا هذه الأسئلة التي سألها بيشاي ؟ و بأي حق يريد فرض الأمر هذا الأمر علي ؟ أنا الإمبراطور رديارد . أنا الآمر و الناهي هنا ، و ليس لأحد أن يعارضني فيما أقوله أو أفعله ، فعلى الجميع أن يطيعني لأنني الإمبراطور رديارد .
( يطفأ المسرح ثم يضاء مرة أخرى ، حيث تظهر راشيل و هي جالسة وحدها في إحدى شرفات القصر . يأتي كيبيرا بالقرب منها ) .
راشيل : من هنا ؟
كيبيرا : لا تخافي يا سيدتي ؛ أنا كيبيرا ( تنهض راشيل لاستقباله ) .
راشيل : مرحبا بك يا كيبيرا . لم جئت إلى هنا ؟
كيبيرا : رأيتك وحدك هنا دون من يحرسك ، فجئت لأقوم بذلك .
راشيل : و كيف حال زوجتك و ابنك ؟
كيبيرا : إنهما بخير . إن إيلينا امرأة رائعة و إنني أحبها كثيرا ، و كذلك ابني ؛ فهو ولد مطيع ـ رغم عناده في بعض الأحيان ـ و سأجعله أحد الرجال المخلصين للإمبراطور . ترى أين هؤلاء الحرس الحمقى ؟
راشيل : لا عليك يا كيبيرا ؛ لقد رغبت أن أكون وحدي .
كيبيرا : كما تريدين يا سيدتي ، ولكنني أخاف أن يصيبك مكروه . و لذلك فإنني سأحرسك إذا شئت .
راشيل : كم أنت نبيل يا كيبيرا !
كيبيرا : هذا شرف عظيم لي سيدتي .
راشيل : بإمكانك أن تناديني باسمي كما يناديني رديارد .
كيبيرا : لا يا سيدتي . أنت أجل قدرا من أناديك كما أنت ؛ فأنا خادمك المطيع .
راشيل : كلا يا كيبيرا . لا ينبغي أن تحط من قدرك ؛ لأنك قائد شجاع و مقدام .
كيبيرا : أشكرك يا مولاتي ، وسأبقى الخادم المخلص لك و للإمبراطور .
راشيل : إنني لن أنسى لك ما حييت تلك اللحظة التي أنقذت فيها رديارد من براثن الموت .
كيبيرا : هذا واجبي يا سيدتي و لو تطلب الأمر موتي .
راشيل : إننا ندين لك بكل ما قدمته للإمبراطورية بأسرها .
كيبيرا : لا تقولي ذلك سيدتي ؛ فنحن خدمكم و علينا القيام بأي شيء لصالح الإمبراطورية .
راشيل : كم أتمنى أن تكون هذه إمبراطوريتنا مليئة برجال من أمثالك و بيشاي و لافوراس .
كيبيرا : أشكرك يا سيدتي . و إنني لسعيد إذ أكون ساعيا في خدمتكم .
( تضم راشيل يدها إلى يد كيبيرا و تشد عليها بحرارة ثم تتركها . في هذه اللحظة يظهر رديارد الذي يمتعض لرؤية كيبيرا مع زوجته ، إلا أنه يكظم غيظه و يظهر السرور ) .
رديارد : أهذا أنت يا كيبيرا ؟
كيبيرا ( منحنيا له ) : نعم يا فخامة الإمبراطور .
رديارد : أين كنت ؟ لقد أردت أن أراك .
كيبيرا : لقد كنت أقوم بحراسة سيدتي الإمبراطورة . هل تحسنت حالة جرحك يا سيدي ؟
رديارد : لا داعي للقلق يا كيبيرا ؛ إنني بخير .
كيبيرا : ليتني أصبت و لم تصب أنت يا سيدي .
رديارد : إنني أعلم شعورك تجاهي يا صديقي . ماذا عن دورين الصغير؟
كيبيرا : لقد أزعجني البارحة بإلحاحه علي لأن آخذه إلى المعركة القادمة .
رديارد : لا تؤاخذه يا كيبيرا ؛ إنه في الثالثة من عمره ، ولكنني لا أشك أنه سيصبح مثلك .
كيبيرا : آمل ذلك .
رديارد : قل لي يا كيبيرا ، كيف استعدادك للمعركة للمقبلة ؟
كيبيرا : إنني على أتم استعداد يا سيدي ، و الحق أنني أتوق إلى سحق العدو دون انتظار .
رديارد : إنني أتوسم ذلك فيك يا كيبيرا .
كيبيرا : كن واثقا بأننا لن نجعل أعداءنا يقلقون راحتك يا سيدي .
رديارد : أنت صادق في وعودك دائما أيها الأخ و الصديق . أرجو لك التوفيق في هذه المهمة الصعبة .
كيبيرا : سنأتيك بلأخبار الطيبة يا سيدي .
رديارد : حسنا يا كيبيرا ، بإمكانك أن تذهب الآن .
كيبيرا : كما تريد يا سيدي .( يذهب كيبيرا. يمسك رديارد بيد راشيل ثم يضمها إلى صدره )
رديارد : يا لجمالك الذي يسلب تفكيري يا راشيل !
راشيل : لك إحساس مرهف يا رديارد .
رديارد : هذا لتعلمي كم أعشقك إلى حد الجنون .
راشيل : أتظن أن حبي لك أقل من حبك لي ؟ إنك زوجي و حبيبي و رفيقي.
رديارد : إنني أخاف عليك يا راشيل .
راشيل : و ممن تخاف علي يا رديارد ؟ إنني بأمان معك . أتظن أن هنالك إنسانا آخر في حياتي ؟
رديارد : لا أقصد ذلك يا عزيزتي ، ولكن ........
راشيل : ولكن ماذا ؟
رديارد : ولكنني أراك تولين كيبيرا اهتماما دائما ؛ فمنذ أن تزوجنا و أنت تبادلينه أطراف الحديث و تضحكين في وجهه .
راشيل ( ضاحكة ) : لا ، لا تظن ذلك يا حبيبي . أنسيت أنني أقسمت أن أكون وفية لك طيلة عمري حتى يفرق بيننا الموت ؟ ثم هل نسيت أن لكيبيرا زوجة و ابنا يحبهما كثيرا ؟
رديارد : كلا ، إنني لا أنسى .
راشيل : فإذا كان الأمر كذلك ، هل تعتقد أن كيبيرا يعشقني ؟
رديارد : ليس هذا ما أقصده يا راشيل ، ولكنني أخاف من عواقب سيئة .
راشيل : أية عواقب ؟ ما الذي تتحدث عنه يا رديارد ؟
رديارد : يخيل إلي أن الدهر يريد أن يسلبني ما بنيته من مجد ، و أرى أن الأعداء يزدادون كثرة على إمبراطوريتنا ، و لذلك فعلينا جميعا أن ندحرهم .
راشيل : ليس هذا ما نريده يا رديارد . فليكن السلام بديلا عن هذا الأمر .
رديارد : كلا يا راشيل ؛ إن هذه الإمبراطورية يجب أن يدوم مجدها إلى الأبد ، و لذلك فإنني لا أبالي بعدوي ، حتى لو بطشت به دون رحمة .
راشيل : ما الذي حدث لك يا رديارد ؟
رديارد : ماذا تعنين يا راشيل ؟
راشيل : ما أعنيه هو أنك أصبحت حريصا على ملكك أكثر من أي شيء آخر .
رديارد : و هل أتركه لقمة سائغة في أفواه أعدائي ؟ إنهم لن يبلغوا مرادهم و لسوف أضربهم بقسوة .
راشيل : لذلك تريد إرسال كيبيرا ليتولى تصفية أمرهم ؟
رديارد : نعم ؛ لأنه الرجل المناسب لهذه المهمة .
راشيل : لقد اصبح الجو باردا هنا ، فلندخل .
رديارد : سأبقى هنا وحدي . بإمكانك الذهاب يا راشيل .
راشيل : حسنا ، لا تبطىء علي يا عزيزي . ( تذهب راشيل ) .
رديارد ( لنفسه ) : أرى كأن الجميع أصبحوا لا يفهمون ما أريده . إنني أشعر كأنني لا أثق بمن حولي . و كيبيرا ، ما شأنه مع راشيل ؟ إن ظله لا يفارق ظلها . أحس أنه قد تغير و لم يعد ذلك الإنسان الذي كنت أحبه من صميم قلبي . إن علي أن أكون أكثر حذرا ، و ليعلم هؤلاء المتربصون أنني لهم بالمرصاد .