( يضاء المسرح ، حيث يجلس صفوان و رغدة في بيتهما و هما يشاهدان التلفاز . تنهض رغدة ثم تطفئه )
رغدة : كم أشعر بالملل . لقد مضى زمن طويل لم أر فيه أبوي .
صفوان : لا تقلقي ، سنزورهما غدا إن شاء الله . ( يخرج من جيبه دواء مسكنا لألم الرأس ، ثم يتناول قرصا منه مع كأس من الماء )
رغدة : آمل أن يزول عنك هذا الصداع .
صفوان : لا داعي للقلق . أعتقد أن هذا بسبب أعباء عملي .
رغدة : عليك أن ترتاح قليلا يا عزيزي .
صفوان : حسنا .
رغدة : على الرغم من أنك سعيد في عملك إلا أنني أراك مضطربا في بعض الأحيان . فمم ذلك ؟
صفوان ( مبتسما ) : إنني لست كذلك يا حبيبة فؤادي . أتخشين علي سوءا ؟
رغدة : لا ، لم أقصد ذلك .
صفوان : لا تخافي علي ؛ فإنني بخير . أتحبين أن أصطحبك خارجا هذا المساء ؟
رغدة : لا داعي لذلك يا عزيزي .
صفوان : كما تشائين .
( يسمع صفوان طرقا خفيفا على باب بيته فيذهب ليفتحه . يتبين أن الطارق هو النقيب عامر توفيق )
عامر : مساء الخير . ألست السيد صفوان شكري ؟
صفوان : بلى ، إنني هو . و من تكون أنت ؟ ( يبتسم عامر )
عامر : لي الشرف الكبير أن التقيتك أخيرا أيها الرائد . أدعى النقيب عامر توفيق .
صفوان : سررت بلقائك .
عامر : لقد جئت إليك لأكلمك في أمر مهم .
صفوان : بشأن ماذا ؟
عامر : أتأذن لي بالدخول ؟
صفوان : تفضل . ( يدخل النقيب عامر ثم يرافقه صفوان إلى البهو ) أقدم إليك زوجتي .
رغدة : مرحبا بك .
عامر : سررت بلقائك يا سيدتي . أدعى النقيب عامر توفيق .
رغدة : هل أعد لك فنجانا من الشاي أو القهوة ؟
عامر : أشكرك يا سيدتي ، ولكن لا رغبة لي في ذلك .
صفوان : تفضل بالجلوس . ( يشير إلى زوجته بأن تتركهما فتفعل ) ما الأمر الذي تريد محادثتي بشأنه أيها النقيب ؟
عامر : سيدي الرائد ،لقد سمعت عن شجاعتك و مروءتك الشيء الكثير مما رغبني إلى محادثتك .
صفوان : إنني لم أعد ذلك الرائد الذي تتحدث عنه . لقد انتهى ذلك منذ زمن .
عامر : على الرغم مما حدث إلا أنني أعتبرك أخا و صديقا .
صفوان : ما الذي يحملك على أن تتحدث إلي بهذه اللهجة ؟
عامر : لأنني موقن بأنك قد تعرضت للظلم ؛ فلم يكن من العدل عزلك بعد تلك السنوات التي سمعنا فيها عنك و عن وفائك لعملك . ( تدمع عينا صفوان لذكرى صديقه مصعب ) أعتذر إليك إن كنت قد ذكرتك بما قاسيته .
صفوان : لم أرض لنفسي أن أرى صديقي يحتضر متألما بين يدي و قاتله يضحك بسخرية . ( يضع يديه على رأسه ) لا أعلم ما الذي أفقدني صوابي و جعلني أقتله بلا رحمة .
عامر : يبدو أنك قد نسيت نفسك تلك الساعة .
صفوان : هذا صحيح .
عامر : أريدك أن تفهمني جيدا أيها الرائد . إن ما نسمعه عنك الآن لا يسر الأمن الوطني أبدا.
صفوان : ما الذي تعنيه ؟
عامر : إننا نعلم أنك تعمل الآن لحساب أحد أكابر المجرمين و أعني به ليثا البكري .
صفوان : هل رأيت مني ما يثير الشبهة حولي ؟
عامر : لا .
صفوان : إذن ، فلم تقحم نفسك في شأن لا يعنيك ؟
عامر : لأنني أرى أنه ليس من اللائق برجل شريف مثلك أن يضع نفسه موضع الشبهات و أن يحط من مكانته .
صفوان : إنني أعمل عملا شريفا ، فلا داعي لهذا القلق أيها النقيب.
عامر : و متى كان العمل شريفا ما دام لحساب ليث البكري؟
صفوان : إن كنت تريد النيل مني أيها النقيب فلم لا تفعل الآن ؟
عامر : لن أفعل ذلك لأنك رجل نبيل .
صفوان : أتحاول إقناعي بالعودة إلى عملي السابق ؟
عامر : أجل ، إنني أتمنى ذلك .
صفوان : من المؤسف أن أخبرك أنني لن أعود إليه بعد أن طردت على ذلك الوجه المهين .
عامر : يا لها من خسارة !
صفوان : ألديك ما تقوله أيضا ؟
عامر : نعم . أتمنى أن تعود إلى صوابك .
صفوان : و هل تحسبني مجنونا ؟
عامر : لم أقصد ذلك ، و إنما أريد منك أن تعود رجلا مستقيما كما كنت من قبل .
صفوان : إنني أعرف مصلحتي جيدا ، فلا داعي لكي تنصحني .
عامر : و لم لا ؟ ( يغضب صفوان )
صفوان : لأنني لست بحاجة إليك لتملي علي ما يجب أن أفعله .
عامر : إنك لست صفوان الذي أعرف .
صفوان : نعم ؛ فلقد أصبحت شخصا آخر غير الذي سمعت عنه .
( ينهض عامر و هو مغضب لما سمعه من كلام صفوان )
عامر ( بحدة ) : أتقصد أنك تاجرت بروحك إلى الشيطان ؟ هل نسيت المبادئ النبيلة التي أقسمنا عليها في عملنا ؟ و هل أغراك بريق مال ذلك المجرم لكي تفقد صوابك يا صفوان ؟
( ما إن يسمع صفوان ما قاله عامر حتى يهب واقفا و قد استبد به الغضب )
صفوان : هذا يكفي أيها النقيب . اخرج من بيتي قبل أن أرتكب حماقة فظيعة .
عامر : كما تريد أيها الرائد ، ولكن كن على يقين بأن الله مطلع عليك . و مهما عشت زمنا فما للموت من رادع .
( ما إن يخرج النقيب عامر حتى يحس صفوان ببعض الألم في رأسه ، فيمشي مترنحا إلى أن يجلس على كرسيه و قد وضع يديه على رأسه . يطفأ المسرح )
( يضاء المسرح ، حيث لا يزال صفوان جالسا يتأمل ما قاله له النقيب عامر . تدخل رغدة ولكن صفوان لا ينتبه لوجودها في بادئ الأمر . يرفع رأسه بعد قليل فيراها أمامه ثم يبتسم كأنه يريد تناسي ما حدث )
صفوان : تعالي إلى جواري يا رغدة .
رغدة : ما هذا الذي سمعت يا صفوان ؟
صفوان : لا شيء .
رغدة : و لم كان هذا النقاش الحاد بينك و بين النقيب عامر ؟
صفوان : لقد فقدت أعصابي حين تذكرت محنة طردي من عملي السابق .
( تقترب منه رغدة فتنحني أمامه ثم تأخذه يده بين يديها )
رغدة : أيعقل أن تخفي عني شيئا يا زوجي ؟
صفوان : لا ، ولكن أعصابي متوترة بعض الشيء . ( ينظر إليها برهة ثم يحني رأسه )
رغدة : أشعر أنك تريد أن تخبرني شيئا ولكن ثمة ما يمنعك من ذلك .
صفوان : و ما الذي سأخبرك به ؟
رغدة : لقد سمعت النقيب ينكر عليك أمرا عظيما .
صفوان : حقا ؟ هل سمعت ما دار بيننا من حديث ؟
رغدة : أجل .
صفوان : و لم هذا يا رغدة ؟
رغدة : لأنني لم أتوقع زيارة من ضابط في الأمن الوطني بعد الذي كان بينك و بينهم.
صفوان : ولكن هذا لا يعني أن تستمعي لحديثنا .
رغدة ( بهدوء ) : أخبرني الحقيقة يا صفوان .
صفوان : و ما الحقيقة التي تريدين معرفتها ؟
رغدة : من الذي تعمل لحسابه ؟
صفوان : هذا لا يهم .
رغدة : هل أصبحت تخجل من قول الحقيقة ؟
صفوان : هذا يكفي .
رغدة : لا داعي لأن تجيب يا صفوان ؛ فلقد علمت أنك تعمل لحساب ليث البكري .
صفوان : و ما العيب في ذلك ؟
رغدة ( بألم ) : أتقول هذا بلا مبالاة؟ كيف طوعت لك نفسك أن تعمل لدى ذلك القاتل ؟
صفوان : لا أدري كيف أفسر لك هذا .
رغدة : أخبرني .
صفوان : لقد أرسل رجاله فجاؤوا بي إليه ، ثم عرض علي أن أعمل لحسابه . لم أستطع أن أرفض عرضه لأنه وعد بحمايتنا من المتربصين بنا . أقسم بأنني أقول الحقيقة بحذافيرها .
رغدة : و هل تجد الراحة في العمل لديه ؟
صفوان : لا أدري .
رغدة ( بنبرة حزينة ) : ما يؤلمني هو أنني قد حسبتك سعيدا ، ولكنني أراك الآن قد أصبحت فارغ القلب تسير على غير هدى .
صفوان : أتقولين لي هذا يا رغدة ؟
رغدة : نعم . ( يأخذ صفوان بيدها )
صفوان : فلننس هذا يا حبيبتي . أريد أن أكون معك .
رغدة : و أنا كذلك ، ولكنني أريدك أن تعود كما كنت من قبل .
صفوان : لا أستطيع .
رغدة : إنك لم تترك لي خيارا يا صفوان . إما أن تختارني أو تختار ليثا .
صفوان : لا أفهم لم تضيقين علي هكذا ؟
رغدة : لأن من المستحيل أن يتشابه الصفاء و السواد.
( تذهب رغدة ، فيضع صفوان يديه على رأسه حائرا و هو يردد قائلا : ماذا أفعل يا إلهي ؟ )
انتهى المشهد الثاني
المشهد الثالث
( يضاء المسرح حيث يبدو بيت صفوان نظيفا و مرتبا . يدخل صفوان ثم ينادي زوجته إلا أنه لا يجدها . يقف مستغربا من ذلك ، ثم يحاول الاتصال بها بواسطة هاتفه الجوال ولكنه يجد هاتفها مغلقا )
صفوان : أين ذهبت ؟ ليس من عادتها أن تترك البيت دون أن تخبرني إلى أين ستذهب . حسنا ، لا بأس إن ذهبت لتزور والديها . ( يوشك أن يذهب إلى المطبخ ليعد لنفسه بعض القهوة ، إلا أنه يلاحظ وجود ورقة مطوية على التلفاز . يفضها فإذا به يجدها رسالة من زوجته ، فيشرع في قراءتها في الوقت الذي يسمع فيه الجمهور صوت رغدة و هي تقرأ مضمونها )
رغدة : عزيزي صفوان .... قد كنت آمل أن تكون الإنسان الذي أكبرته في نفسي ؛ لأنني عرفته صلب الإرادة و قوي الشكيمة و عزيز النفس ، إلا أنني وجدت ذلك سرابا بعد أن علمت من شأنك ما لا يجمل بك . إنني ذاهبة إلى المكان الذي نشأت فيه طفولتي بعيدا عن الشر و الفساد ، و لن أعود حتى تعود إلى صوابك . إنني أتفاءل بك خيرا يا صفوان و أؤمن بأنك ستعود إلى ما كنت عليه من قبل . وكن على يقين بأنني سأعود إليك راضية مطمئنة . أهديك حبي و سلامي .
( ما إن ينتهي صفوان من قراءة رسالة رغدة حتى يطأطئ رأسه ثم يجلس باكيا بصمت )
صفوان : كيف يمكنني أن أعيش من دونك يا رغدة ؟ لقد كنت و النقيب عامر على حق . يا لحماقتي ! كيف أمكنني أن أستهتر بنفسي إلى هذا الحد ؟ يا إلهي ، ماذا عساي أن أفعل ؟ ( يدور حول المكان حائرا لا يدري ما يفعل . يبكي بصمت مرة أخرى ، ثم يجثو على ركبتيه و قد رفع بصره إلى السماء ) غفرانك ربي ... غفرانك ربي ... لقد أسرفت على نفسي في المعصية و الإثم . أسألك أن لا تقنطني من رحمتك. ( يبكي مرة أخرى ثم يطأطئ رأسه ثم يرفعه بعد حين . ينظر يمنة و يسرة كأنه يبحث عن شيء ما حتى تقع عيناه على المصحف فينهض من مكانه ثم يمشي تجاهه ببطء ثم يتناوله ) لقد مضى زمن طويل لم أقرأ فيه كتاب الله تعالى ، أيعقل أنني قد نسيته إلى هذا الحد ؟
( يفتح المصحف ثم يقلب صفحاته حتى تقع عيناه على الآية الثالثة و الخمسين من سورة الزمر : " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعا ، إنه هو الغفور الرحيم " . يتلوها صفوان في سره مرارا و دموعه تنهمر من عينيه ثم يعلو صوت بكائه حتى لا يستطيع المضي في التلاوة . يضع المصحف في مكانه مرة أخرى ثم يجثو مجددا و قد رفع يديه بذل و استكانة ) أسألك أن تغفر لي و ترحمني مما أنا فيه يا رب . لقد اغتررت بنفسي و إني أشهدك أنني سأقلع عن الشر الذي انغمست فيه ، فاغفر لي يا رحمن يا رحيم .
( ينهض من فوره ثم يذهب ليغتسل . يعود بعد فترة و الماء يقطر من وجهه ثم يبادر إلى الصلاة . يطفأ المسرح ثم يضاء بعد حين ، حيث يجلس ليث و رجاله من حوله . يدخل أحد أتباعه )
الرجل 1 : يريد صفوان أن يراك يا سيدي .
ليث : لماذا لم تدخله ؟ ( يذهب الرجل ثم يدخل صفوان بعد قليل ) ما الأمر يا صفوان ؟ تبدو كأنك لست على ما يرام .
صفوان : ليس الأمر كذلك .
ليث : تفضل بالجلوس إذن .
صفوان : إنني لم آتك لأجلس .
ليث : ما هذه اللهجة التي تحدثني بها ؟
صفوان : أريدك أن تسمعني بكل وضوح ؛ لأنني لم أعد أحتمل المزيد .
ليث : هل ضايقك أحد أتباعي ؟ أخبرني من هو و سأعاقبه بقسوة .
صفوان : لا أريد إلا أن أحرر نفسي .
ليث : ما الذي تعنيه ؟
صفوان : أريد أن أعتزل العمل معك .
ليث : ما الذي تقوله يا صفوان ؟ أتعني ذلك حقا ؟
صفوان : أجل .
ليث : هلا أخبرتني لماذا ؟
صفوان : أريد أن أعتزل فحسب . ( يضحك ليث )
ليث : لا بد أنك تبحث عمن يدفع لك أجرا جزيلا ، أليس كذلك؟ (يصمت صفوان )
حسنا ، سأضاعف لك أجرك . أيرضيك هذا ؟
صفوان : إنني لا أسعى وراء المال كما تظن .
ليث : إذن ، فما الذي تريده ؟
صفوان : أريد أن أعود كما كنت .
ليث : هل جننت يا صفوان ؟ أنسيت أن بيني و بينك اتفاقا ؟ ألم أتخذك صديقا مقربا ؟ ألم تتعهد لي بأنك ستعمل لمصلحتنا معا ؟
صفوان : قد كان من الأمر ما فعلته من أجلك ، أما الآن فلا أدين لك بشيء .
ليث : إنك لا تزال مدينا لي . أنسيت أنني من يحميك من الذين يريدون النيل منك؟
صفوان : و هل تستطيع حمايتي إذا حانت ساعة موتي ؟
ليث : إنني لا أدري من الذي عبث في عقلك و أفسدك على هذا النحو .
صفوان : لقد أبصرت طريقي أخيرا و عرفت أن الطريق الذي أسلكه الآن لا يفضي إلا إلى هاوية لا قرار لها .
ليث : إنني أحذرك يا صفوان لأن ذلك ليس في مصلحتك. هل حسبت أن في وسعك أن تتركني متى تشاء ؟ أنسيت أعداءك المتربصين بك ؟ أم هل نسيت أن أصدقاءك القدامى قد يلقون القبض عليك في أية لحظة ؟
صفوان :لم يعد لدي ما أخسره .
ليث : إن كان هذا ما تريده فلك أن تغادر ، ولكنك ستدفع ثمن ذلك غاليا .
صفوان : هل تريد أن تقتلني ؟ هيا افعل ذلك .
ليث : لا ، لن أفعل . بل سأكون كريما معك .
صفوان : ماذا تقصد ؟
ليث : سأمهلك أسبوعين لتعود عن قرارك الأحمق ، و إلا فإنك ستقاسي من الألم ما لا تستطيع احتماله .
صفوان : سنرى ذلك . ( يطفأ المسرح )