جوزيف مشرف
عدد المساهمات : 174 تاريخ التسجيل : 25/11/2010
| موضوع: مسرحية مأساة و خلاص - المشهدان السابع و الثامن الأربعاء ديسمبر 01, 2010 1:27 am | |
| إخوتي و أخواتي أعضاء المنتدى الكرام . أحييكم في لقائي هذا مرة أخرى و إنني أشكركم جميعا لوقوفكم جميعا معي
في محنتي العصبية التي قاسيتها بسبب وفاة أمي رحمها الله تعالى رحمة واسعة و أسكنها فسيح جناته. و ها أنذا اليوم
أعود إليكم من جديد و أسأل الله تعالى أن تنال مسرحياتي و كتاباتي إعجابكم جميعا.
أهديكم تحياتي مرة أخرى يا أصدقائي و صديقاتي أعضاء المنتدى الكرام.
( المشهد السابع )
( يظهر الراوي على المسرح مخاطبا الجمهور : و هكذا فقد رأينا الفراغ المؤلم الذي بدا يشعر به رديارد بعد أن فتك بأصحابه على النحو الذي شاهدناه . و رأينا كذلك كيف بدأ يفقد راحته و كيف بدأت معاناته ندما على ما فعله . فلنشاهد الآن كيف يغدو رديارد مريضا مرضا لا يرجى شفاؤه و كيف يرى أصحابه بعد ذلك في منامه ) .
( يضاء المسرح على غرفة نوم رديارد الذي يكون مسجى على سريره متأوها و بجانبه الطبيب . في هذه اللحظة تدخل مالموريا و بصحبتها راشيل و الإمبراطور كارين و ماري ، عندئذ ينهض الطبيب )
مالموريا : كيف حاله أيها الطبيب ؟ الطبيب : شر حال . لم أجد في حياتي إنسانا يعاني مثل معاناته . كارين : و مم يشكو ؟ الطبيب : الغريب أنه لا يشكو من مرض ما . ماري : و كيف ذلك ؟ الطبيب : إنه يشكو من شيء يؤلم ذهنه . راشيل : لعله يشكو فقدان أصحابه . الطبيب : نعم ؛ فهو لم يتردد قط عن ذكرهم ، و سمعته مرارا و هو يناشدهم بالرجوع إليه . ماري : لا أدري ما الذي حدث لك يا ابن أخي . ( تجهش بالبكاء ) . الطبيب : لقد فعلت ما بوسعي ، و لعل مواساتكم له قد تخفف من محنته . ( يغادر الطبيب فيأتون حول سرير رديارد . يستيقظ رديارد و هو حزين ). رديارد : آه لما فعلته بكم يا أصحابي . مالموريا : إنني معك هنا يا ولدي. إن رحلوا عنك فنحن معك . رديارد : و كيف أعيش من بعدهم ؟ لقد قتلتهم بيدي هاتين ، فبئس ما فعلته . ماري : تذرع بالشجاعة يا ابن أخي ؛ فما زلنا معك . رديارد : لا أستطيع يا عمتاه . راشيل : لا تقل هذا يا رديارد ؛ فلديك أمل . رديارد : لا ، لم يبق لي أمل . أشعر كأن الموت أرحم لي . راشيل ( باكية ) : وا حسرتاه عليك يا عزيزي . ( تستمر في البكاء حتى تبكي معها أمها ثم تخرجان ) . كارين : أعرف مدى شعورك بالذنب ، ولكن كن على ثقة بأن عافيتك ستعود إليك ، فتحل بالصبر . ( يسكت رديارد هنيهة ) . رديارد : قد تكون على حق فيما تقوله ولكنني لن أراهم ثانية . ( يبكي بألم ) لقد يئست من الحياة ؛ فهي من دون من أحب سوداء و معتمة . مالموريا : كلا يا بني ، إنك لم تيأس . رديارد ( بحسرة ) : و كيف يا أماه ؟ إن حياتي الآن في جحيم . مالموريا : لا عليك يا بني . أرى أن تستريح ، و لعل قسطا من النوم قد ينسيك بعض ألمك .
( تخرج مالموريا و معها كارين ثم تطفأ الأضواء . يظهر الراوي مرة أخرى قائلا : و الآن فلنطلع على حلم رديارد الذي يرى فيه أصحابه الثلاثة و كيف يتصرفون معه على نحو يشعره بالندم و يجعله طالبا المخرج من هذه المحنة . عندئذ يخبرونه بأن عليه أن يذهب إلى الرجل الحكيم ميغادس الذي يمكن لرديارد أن يعتمد عليه لتخليصه من هذه العقدة )
( يظهر رديارد وحده في مكان معتم ليس فيه أحد ) رديارد : هل من أحد هنا ؟ أجيبوني . ( يسمع صوت العرافة ) . العرافة : لعلك الآن قد وجدت راحتك . رديارد : أنت ؟ ( تظهر العرافة ) . العرافة : أنا التي صنعت لك هذا المعروف . رديارد ( غاضبا ) : سأقتلك أيتها الحقيرة . العرافة ( باستهزاء ) : لماذا ؟ ألأنني أردت إنقاذك ؟ رديارد : كلا أيتها الخبيثة ؛ إنك أدخلتني في متاهة لا مخرج لي منها . العرافة : حسنا ؛ فلتتعذب كما تشاء . رديارد : إنني لن أخلص من هذا العذاب إلا بقتلك . العرافة : أرني ذلك إن استطعت . ( يستل رديارد سيفه ) . رديارد : الآن سأزهق روحك ( يهجم عليها فتختفي من أمامه ) أين أنت ؟ لن تهربي من عقابي . ( تظهر مرة أخرى ) . العرافة : أنت ناكر للجميل ، و لذلك فإنك تستحق هذا العذاب الذي أنت فيه. ( تختفي العرافة ، فيصرخ رديارد غاضبا ) . رديارد : أين تهربين ؟ ( يرمي سيفه بعيدا ثم يصرخ بألم ) ويلي .....ويلي . سحقا لي و لصنيعي هذا ، ما الذي فعلته ؟ ( بعد قليل يسمع رديارد أصوات أصحابه ) . لافوراس : لقد فعلت فعلا شائنا ما كان عليك القيام به . بيشاي : و سفكت دماءنا خدمة لأهواء زائفة . كيبيرا : و الأكثر من ذلك أنك تظن نفسك أفضل من الناس كلهم رغم محبتهم إياك . ( يظهرون ) رديارد ( فرحا ) : لا أصدق ما تراه عيناي . ( يحاول معانقتهم ، ولكنهم يتجنبونه ) . لافوراس : إليك عنا ؛ إنك لم تعد ذلك الإنسان الذي كنا نحبه . ( يحاول مرة أخرى ، فيعرضون عنه مجددا ) . رديارد ( مخاطبا كيبيرا ) : قل شيئا يا كيبيرا ، أنت أخي و صديقي . كيبيرا : ماذا لدي لأقوله لك ؟ ( يعرض عنه ، عندئذ يتراجع رديارد إلى الوراء ، ثم يجثو نادما ) . رديارد ( حزينا ) : فهمت الآن ، لقد جئتم لتقتصوا لأنفسكم مني . بيشاي : كلا ، لقد جئنا لنعلمك درسا عليك أن تفهمه جيدا . رديارد : إنني مستمع لكل ما تقولونه . ( يتقدم لافوراس ) . لافوراس : ما الجناية التي فعلتها حتى تريق دمي يا رديارد ؟ أظننت حقا أنني أريد قتلك ؟ أنسيت قسمي لك ؟ إنك لست ذلك الإنسان الذي أعرفه؛ لأنك كنت طيبا لا تظن السوء بالآخرين ، ولكن خوفك على نفسك دفعك إلى التخلص منا . رغم سوء ما قمت به يا رديارد إلا أنني أصفح عنك من صميم قلبي . ( يتقدم بيشاي )
بيشاي : أهكذا تفعل بنا يا رديارد ؟ و ماالدافع الذي جعلك تقدم على ما قمت به ؟ تكذب علي بشأن ولدي الذي قتلته بحجة الخيانة ؟ إنك تعلم تماما أننا مخلصون لك ، و مع ذلك فإنك قابلتنا بالسيئة . حقا لا أدري ما الذي حل بك . أراك الآن جاثيا متألما من هول ما فعلت ، و إكراما لأبيك الذي كان صديقي الحميم فإنني أسامحك عما فعلته بنا . ( يتقدم كيبيرا )
كيبيرا : لم أنكر في حياتي التي عشتها معك أنك إنسان تحب الأوفياء ، و لم أنس أنك اتخذتني أخا و صديقا، ولقد كنت أراك إمبراطورا نبيلا . ولكن لم يدر في ذهني أنك تبدلت إلى إنسان يخاف على نفسه و ملكه و يشك بمن حوله و إن كانوا أحب الناس إليه . إن طعنتك التي قتلتني لم تؤلمني ، بل إن ما آلمني هو انقلابك إلى إنسان يعتد بنفسه كثيرا ، حتى بلغ بك الأمر أن تنسى شعبك. فعليك أن تنقذ نفسك من الأوهام يا رديارد ، و لا تنس ما وعدت به شعبك الذي أولاك ثقته و أحبك كثيرا. ( يرفع رديارد رأسه و يراهم قد قاربوا على الإختفاء )
رديارد : ولكنكم لستم معي ، فكيف لي أن أنقذ نفسي ؟ أصحابه : كلا ، إن ذهبنا من الوجود فهناك رجل عظيم خير منا . رديارد : أخبروني عنه . أصحابه : إنه حكيم ينبع من عنده نور العلم و لا يضن على أحد يأتيه سائلا . رديارد ( بلهفة ) : و من هو هذا الحكيم ؟ أصحابه : إنه الحكيم ميغادس . ( يذهبون ) . ( يضاء المسرح ، حيث يظهر رديارد صارخا في منامه ، فتأتيه أمه و زوجته و حموه و عمته ) مالموريا ( فزعة ) : هون عليك يا بني ؛ لعله حلم مزعج . رديارد : كلا يا أمي ؛ إنه الأمر الذي فيه خلاصي . كارين : و كيف ذلك ؟ رديارد : أخيرا سأنسى ألمي و أحزاني . كارين : أمتأكد مما تقوله ؟ رديارد : نعم . ( تمتلىء عيناه بالدموع ) إنني مدين لكم أيها الأصحاب ثانية . راشيل : أتقصد أنهم قد سامحوك ؟ رديارد : ليس هذا فحسب ( يخاطب أمه ) أمي ، أتعرفين أين يسكن الحكيم ميغادس ؟ مالموريا : نعم ، ولكن ما علاقته بهذا الأمر ؟ ماري : إنني أعرف الحكيم ميغادس . إنه حكيم مشهور لطالما كان الناس يستشفون بحكمه و مآثره ، حتى أن أبي و أخي كانا يستمعان إلى وصاياه النافعة . رديارد : و من أجل هذا فقد نصحني أصحابي بأن أذهب إليه ليدلني على ما يشفيني مما أنا فيه . مالموريا : حسنا يا بني ، إنه يسكن في أعلى الجبل القريب من الغابة، ولكن توخ الحذر يا بني . رديارد : لن تمنعني الصعاب من الذهاب إليه ، و لن يهدأ بالي حتى أراه .
( انتهى المشهد السابع )
( المشهد الثامن )
( يظهر الراوي قائلا : وهكذا سنرى كيف يذهب رديارد إلى الحكيم ميغادس ليكون له العون و الأمل في أزمته النفسية . فلنستمع إذن إلى الحوار الذي جرى بينهما و ما أملاه الحكيم ميغادس من نصائح على رديارد ) ( يضاء المسرح على كهف فيه رجل عجوز هو الحكيم ميغادس . ينظر في أوراقه و كتبه ، وبعد قليل يضعها جانبا ) . ميغادس : يا لعظمة العلم! إنه لمن أهم الأشياء التي تشغل بالي طوال حياتي هذه ، و مع ذلك فإنني شغوف بما جديد . ( في هذه الأثناء يأتي رديارد و يقف عند باب الكهف و هو يرتدي محفة ، فيشعر به ميغادس ) هل هناك أحد يريد الدخول ؟ رديارد : نعم . هل لسيدي أن يأذن لي ؟ ميغادس : على الرحب و السعة . رديارد : أشكرك يا سيدي . ميغادس : لا بد أن الجو بارد في الخارج . رديارد : نعم . ميغادس : إذن فاستدفىء يا بني .( يستدفىء رديارد ثم يقلب نظره في الكهف ) . رديارد : لعل هذا هو المكان الصحيح . ميغادس : عن ماذا تتحدث يا بني ؟ رديارد : سيدي ، هل أنت الحكيم ميغادس ؟ ميغادس : نعم . رديارد : إذن ، فأنت هو الحكيم العظيم الذي سمعت أن العلم و الحكمة يفيضان عنك دون توقف . ميغادس ( مبتسما ) : لعلك جئت تبغي شيئا أعلمك إياه . رديارد : نعم . هذا هو ما جئت من أجله يا سيدي . ميغادس : قبل ذلك ، هل لي أن أعرف من أنت ؟ رديارد : سأخبرك الآن يا سيدي . إنني رديارد ابن الإمبراطور الراحل ستيفن . ميغادس ( مندهشا ) : الإمبراطور رديارد ؟! رديارد : نعم . ميغادس : بلا شك ، فأنت تشبه أباك ستيفن و جدك بايبن . رديارد : نعم يا سيدي.( يتعانقان ، و بعد ذلك تمتلىء عينا ميغادس بالدموع حزنا ) ما الذي يحزنك يا سيدي ؟ ميغادس : لا شيء يا بني ، غير أنني عندما عرفتك تذكرت أباك و جدك الذين أدين لهما بحياتي ؛ فهما من حفظا كتبي و أمرا الناس بالتعلم مني . و لولاهما لعاشت الإمبراطورية في غياهب الجهل . رديارد : بل الفضل يعود إليك يا سيدي. ( يجهش رديارد بالبكاء ) ميغادس : ما الذي يبكيك يا بني ؟ رديارد : سأخبرك الآن يا سيدي. ميغادس : أخبرني يا بني . ( يطفأ المسرح إلا على مكانين : المكان الذي يجلس فيه رديارد مع الحكيم ميغادس ، و المكان الذي يظهر فيه الراوي الذي يخاطب الجمهور : و كما ترون الآن فإن رديارد يحدث الحكيم ميغادس عن ما جرى له منذ أن أصبح إمبراطورا ، مرورا بانتصاراته على أعدائه ، ثم زواجه ، ثم ارتيابه بأصحابه حتى قتلهم ، ثم رؤيته إياهم في منامه و ما أشاروا عليه ) ( يضاء المسرح بعد أن ينهي رديارد الحديث عن قصته . ينهض الحكيم ميغادس ثم يمشي مفكرا لوقت طويل ، و بعد ذلك يجلس مقابل رديارد ) ميغادس : لعلك لم تعرف حقيقتك جيدا يا بني . رديارد : وكيف ذلك يا سيدي ؟ ميغادس : دعني أوضح لك ذلك . إنك ما إن وصلت إلى الحكم حتى حسبت نفسك قد أصبحت في مرتبة عليا ، و لعل انتصاراتك هي التي أغرتك بذلك ، فتناسيت ما قلته عن العدالة و المساواة ، وعندما رأيت أن ملكك قد أصبح عظيما أصبحت تخاف على نفسك . رديارد : نعم يا سيدي . ميغادس ( معاتبا ) : ولكنك حتى تستشفي من أوهامك ذهبت إلى تلك العرافة اللعينة التي أعرفها جيدا ، فما زادتك إلا خبالا و أفسدت بمن أحببت و انتهى الأمر بقتلهم ، أليس كذلك ؟ رديارد : بلى يا سيدي . ميغادس : إنني أتساءل محتارا في أمرك : لماذا لم تأت إلي منذ أن أحسست بما يريبك ؟ رديارد ( ندما ) : لست أدري يا سيدي . ميغادس : لقد تسرعت كثيرا يا بني ؛ لأنك صدقت ما قالته لك تلك الكاذبة، و لذلك فقد فقدت أصحابك و أصبحت في حالة يرثى لها لولا أنك جئتني في الوقت المناسب . رديارد ( نادما ) : أنت على حق يا سيدي ، فأخبرني ماذا أفعل ؟ ميغادس : استمع إلى ما سأقوله لك الآن و افهمه ؛ فهو نافع لك مستقبلا حتى لا تقع في مثل هذه الأخطاء القاتلة . رديارد : إنني مستمع إليك يا سيدي ، و لسوف أعمل بما تشيره علي . ميغادس : أشع العدل بين الناس يحببك شعبك ، و إياك أن تظن نفسك أفضل منهم ؛ فأنت مثلهم و إن كنت الإمبراطور ؛ فلقد أجمعوا على حبك و الإخلاص لك ، فامنحهم ما تحب ، ولا تستمع إلى الكاذبين من أمثال تلك العرافة ، و كن رحيما مع عدوك ، و اجتهد في الدعوة إلى السلام ؛ فهو أثمن ما في الوجود . ( يبكي رديارد ، ثم يعتنق الحكيم ميغادس شاكرا ) . رديارد : أشكرك يا سيدي ؛ فلقد قدمت لي الدواء الشافي . ميغادس : لا عليك يا بني . إن بابي مفتوح لك و لغيرك ما دمت حيا أرزق . رديارد : إن لي مطلبا آخر يا سيدي . ميغادس : و ما هو ؟ رديارد : أريدك أن تأتي معي إلى القصر لأفيد من علمك و خبرتك . ميغادس : كلا ، مع أنني أستطيع القدوم . رديارد : و لم لا يا سيدي ؟ ميغادس ( ضاحكا ) : أنسيت للتو قولي بأن تمنح ما تحب لشعبك ؟ رديارد : لعلك تقصد أن يستفيد الآخرون مثلي ؟ ميغادس : هو ما أقول . رديارد : فما ترى ؟ ميغادس : أرى أن تجعل لي ساحة خاصة يجتمع فيها إلي محبو العلم ، و احرص على أن تكون أولهم . رديارد : لك ذلك يا سيدي . ( بعد لحظة يغضب رديارد ) ولكن لي انتقاما يجب علي تنفيذه . ميغادس : لعلك تريد أن تنتقم من تلك العرافة ؟ رديارد : نعم . أقسم أنني لأحرقنها أمام الناس جميعا جزاء لما قامت به من جعلي شقيا معذبا ، و لأجعلن منها عبرة لمن على شاكلتها من الزنادقة المفسدين .
( انتهى المشهد الثامن )
| |
|